Tuesday, August 30, 2005

اعتذار

أخطأت خطأ فادحا عندما اقتربت بالأمس من خلية نحل مدوية ، فلقد أصبت بلسعات مؤلمة من ملكة الخلية ومن يعمل لديها، حيث أنني اجترأت على قلبها النابض بكل معاني الهيام والغرام و حاولت أن أعبث بشريط ذكرياتها المليئ بالأبطال والفرسان... ظنت أني أطالبها بأن تمسح محتويات ذلك الشريط فثارت ثائرتها و جن جنونها... وطلبت اللجوء السياسي في أحد المدونات، أنحني لها إجلالا و إكبارا وأقدم لها كل معاني الاعتذار والانكسار... مولاتي قالت لرفيقاتها أني صغير.. وفي أخبار النساء لست بطب و خبير... اعذريني يا مليكة الحضور و يا حياة الأنس و السرور ... فأنا معلوماتي تفيد بأن الإسلام يجب ما قبله، الظاهر أن زواجك لم يكن على الطريقة الإسلامية، أم أنه الزوج ؟! نعم أظنه الزوج هو السبب، لماذا دائما يفشل الزوج الكويتي بأن يُنسي زوجته سجل ماضيها الغابر ؟! كنت أرى الزوج ينسي زوجته حليب أمها لا عشيقها فقط، لماذا يتركها سجينة حب ولى وانتهى؟ لماذا يسمح لبراثن الغيرة من أن تقطع أوصالها وتشل كبرياءها إذا ما رأت حبيبها السابق مع محبوبته في مقهى؟! تزعم العفيفة منهن أن الإنحراف بالمشاعر لا يضر إن لم يصحبه انحراف بالسلوك ، أقول بأن هذه النظرية كفيلة أن تبرئها أمام الله، ولكن نعود ونقول للزوج المسكين ألهذا الحد أنت ساذج و مضلل؟!، فلقد أخفقت على أبسط الأصعدة... لم تنجح حتى في أن تستحوذ على قلب زوجتك فهي ما زالت تتقلب على جمر الماضي وتبحث عن الدواء الشافي، لا أقول إلا أزواج آخر زمن، قبحكم الله و قاتلكم.. ما أتعسكم و أفشلكم... أو من فراغ افتتنت زوجاتكم بسعد الحريري و براد بت و جورج كولوني؟! لاحظت أن أخطر ما تكون المرأة إذا دخلت في عقدها الثالث، تبدأ دورة مراهقة جديدة و لكنها أسخف بكثير من دورتها الأولى، أعتقد أن السبب يكمن في الاقتراب من سن اليأس، سلسلة "سيكس آند ذا سيتي" شرحت القضية بحذافيرها، أنا أدعو القائمين على هذه السلسلة الشهيرة إلى زيارة مدونات بعض الأخوات بالتأكيد سيجدون أفكارا يطرحونها في الحلقات القادمة، إذ أن بعض المدونات تنم عن فراغ عاطفي كبير

كسر خاطري أحد الأخوة ممن علق في تلك المدونة المتأرجحة كما تسميها صاحبتها عندما قال بعد أن قرأ ذلك الكلام الغوغائي: خلونا عزاب أحسن، أطالبه أن يسحب كلامه على الفور، قائلا له لا تتأثر هداك الله بما تقرأه في المدونات فبعض تلك المدونات لا يعكس حقيقة البيت الكويتي الأصيل الذي بُنيت أركانه على دعائم الإسلام، فلا يزال هنالك فتيات كويتيات ممن دُفنّ بالحياء، ولكن إن ظفرت بإحداهن فكن لها الصديق و الحبيب حتى لا تُلجئها إلى أن تقضي جل وقتها في المدونات ، محاولة أن تنسج لنفسها قصص من الخيال، هذه الزوجة ستكون بعنقك أمانة فاعرف كيف تتربع على عرش قلبها

أختم ببيتين للمتنبي

إني لأعذرهم مما أعنفهم....حتى أعنف نفسي فيهم و أني
فقر الجهول بلا عقل إلى أدب....فقر الحمار بلا رأس إلى رسن

Friday, August 26, 2005

حكمة ... ولكن

قال أحد الحكماء أن عقولنا قليلة فإذا جلسنا مع من هو أقل منا عقلا ذهب ذلك القليل، مقولة جميلة والظاهر عليها أنها حكيمة، ولكني أختلف مع قائلها بعض الشئ، بالنسبة لي فإنني أحرص كل الحرص على أن أجلس مع من هم أقل مني عقلا بين الحين الآخر، و حرصي هذا إنما نابع من حرصي على شكر نعمة ربي، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: إذا نظر أحدكم إلى من فُضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أدنى منه، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم

ولقد وجدت في المدونات مساحة كافية كي أمارس هذا الشكر على أعلى مستوياته و أحمد الله على العفو والعافية في اليوم ألف مرة، لا يخفى على العاقل منكم أن غثيث المدونات أكبر بكثير من سمينها، ولا عجب في ذلك

رأيت الناس كل يكتب على مقدار ما قسم الله له من عقل، فمنهم من يكتب في ميدان الحب والهيام، ومنهم من انتهج طريق المآسي والأحزان، وعندما تقرأ كتاباته يُخيل لك أنه يعيش في ظلمة سجن أو زنزانة انفرادية، وكأنه ما رأى في الحياة نعيما قط، وآخرون ممن رَقّت مشاعرهم و دَقّت أحاسيسهم ممن يلزقون الألفاظ لزقا ويسوقون المعاني سوقا، هذا كله يهون و يتلاشى أمام امرأة متزوجة جعلت جُل كتاباتها عن الرجال، فلا تبرح تُصنّف محاسنهم وتعدد الوسيمين منهم، ثم تذكر في أحد مواضيعها تقديرها للحياة الجنسية وتدعو الآخرين كي يشاركوها هذا الطرح الجريئ، وتتطرق لمواضيع أخرى لا تقل تفاهة ولا تنحدر دناءة، علاوة على تعليقاتها عند بعض المدوننين ممن حصل على اسم البراعة في الأسلوب واتساع الخيال في وصف المحبوب، مع أن تلك الأوصاف ما تعدت النهدين ولا منطقة ما بين الفخدين، طبعا هذه الحالة تكشف عن حجم الشبق العاطفي الذي تعاني منه بعض النساء من المتزوجات

أنا أعلم أنه في عالم المدونات لا نعرف بعضنا ولعل هذا ما يتيح الفرصة أمام الكثيرين كي يتكلموا بأريحية وانفتاحية دون ضوابط أو قيود و لاحرج في ذلك، و لكن السؤال يقف عند المرأة المتزوجة، أليس لك زوج يطلع على موضوعاتك ويتابع تعليقاتك؟! إن يقرأ ما تكتبين ثم لا يجد في نفسه حرج فهذه مصيبة، و إن كان يعيش في غفلة و لا يعلم لا أقول حقيقة زوجته و إنما حقيقة تفكيرها فالمصيبة أكبر
الشاهد أنا لم أتخذ من نفسي وصيا على الناس و لا أكترث بهم أضلوا أم اهتدوا فلدي من الذنوب ما تنوء به الجبال وتضيق عنه صدور الرجال، و أنا ممن يرفع شعار دع الخلق للخالق، وأمشي على قول الشاعر: عينك وإن أبدت إليك مساوئا فصنها...وقل يا عين للناس أعين، ولكني أقول أن عناصر كهذه تبعث فينا الأمل و تجدد الثقة، و تجعلنا ننقلب إلى أهلينا وأزواجنا فنقبل لهم الأيادي ونغفر لهم الخطايا والمساوي، امتنانا لله عز وجل على عظيم نعمته وتخوفا من حلول نقمته فنُبتلى بما ابتُليَ به هؤلاء
نسأل الله أن يغفر لنا ولهم و يهدينا و إياهم إلى ما يحبه و يرضاه من القول والعمل

Monday, August 22, 2005

وقفة مع نزار قباني

نزار قباني شاعر المرأة والجنس رحمه الله، فلا تجوز على الميت إلا الرحمة
نزار شاعر أفنى سنين عمره في الحديث عن جسد المرأة، وكأن ليس في المرأة إلا جسدها و ليس في الدنيا هم إلا هم المرأة، و من المعروف أن أول ما يحدد ملامح الشخصية عند الرجل هو همه، يقول طرفة بن العبد مخاطبا ابنة عمه: ولا تجعليني كامرئ ليس همه كهمي ... ولا يغني غنائي ومشهدي، ومع الأسف الشديد أن الشاعر كان وما يزال محسوبا على الشعراء والأدباء العرب، ولن أطيل بالكلام عنه، فلقد انتقل أمره إلى بارئه إن عفى عنه فبرحمته و إن عاقبه فبذنبه، ولكن لي وقفة مع بعض أبياته حيث يقول في قصيدته المرأة و جسدها الموسوعي

لا بد في الجنس من الخروج على النص
و إلا تحولت أجساد النساء
إلى جرائد شعبية
عناوينها متشابهة
صفحاتها مكررة


أنا لا أختلف مع الشاعر من حيث المبدأ، فالتجديد في الجنس والتفنن به أمر مطلوب، والجنس في نظري لا يقبل أن يُقيد بآداب وعادات وتقاليد، فهو لغة خاصة بالأجساد وحدها يتخاطبوا بها كيفما شاؤوا وبأي طريقة راقت لهم و رَقَّت إليهم دون الرجوع إلى منهج و لا مذهب، ولكن أسلوبه في الطرح صور العرب أو المسلمين و كأنهم لا يعرفون من الجنس إلا قضاء الوطر، وكأنه كان معهم في غرف نومهم فاطلع على على سذاجتهم الرومانسية و عرف جهلهم بالثقافة الجنسية، أو أن نساء هؤلاء الرجال كن يأتين إليه
شاكيات قلة الإشباع و شحاحة الإرتواء، يقول في مطلع هذه القصيدة

ليسَ صحيحاً أن جسَدَكِ
لا علاقة له بالشعر
أو بالنثر, أو بالمسرح, أو بالفنون التشكيلية
فالذين يطلقون هذه الإشاعة, هم ذكور القبيلة
الذين احتكروا كتابة التاريخ
و كتابة أسمائهم في لوائح المبشرين بدخول الجنة
و حددوا مساحة غرف نومهم
و مقاييس فراشهم
و توقيت شهواتهم

لا أعرف من يقصد بذكور القبيلة أو بمن كُتبت أسماؤهم في لوائح المبشرين بالجنة، و لكن لي وقفة مع قول الله سبحانه و تعالى: ((نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)) و حتى يعرف نزار و أتباع نزار مكانة العرب الجنسية إن صح التعبير، أضع بين يديكم تفسير هذه الآية الكريمة، يقول إبن عباس رضي الله عنهما: كان من أمر أهل الكتاب ألا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة، فأخذ أهل المدينة بفعلهم، وكان الحي من قريش في مكة يشرحون النساء شرحا ويتلذذون بهن مقبلات و مدبرات و مستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرت عليه، وقالت إنما كنا نُؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، فبلغ أمرها الرسول صلى الله عليه و سلم، فأنزل الله " نِسَاؤُكُمْ حَرْث لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ " أي مقبلات و مدبرات و مستلقيات في أي وضع كان ما لم يكن في الدبر، فهذا مما يؤكد أن العرب في الجاهلية كانوا يمارسون الجنس بجميع أوضاعه وجاء الإسلام فأقرهم على ذلك، ولم يكن هناك تقيد بالنص كما ادعى نزار

ومما يُروى في الحديث: ‏جاءت ‏ ‏امرأة ‏ ‏رفاعة القرظي ‏ ‏إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقالت إني كنت عند ‏ ‏رفاعة ‏ ‏فطلقني ‏ ‏فبت طلاقي ‏ ‏فتزوجت ‏ ‏عبد الرحمن بن الزبير ‏ ‏وما معه إلا مثل ‏ ‏هدبة الثوب ‏ ‏فقال ‏ ‏أتريدين أن ترجعي إلى ‏ ‏رفاعة ‏ ‏لا حتى تذوقي ‏ ‏عسيلته ‏ ‏ويذوق ‏ ‏عسيلتك
و معنى هدبة الثوب طرف الثوب الغير المنسوج و هو كناية عن صغر ذكره وأنه لا يغني عنها، ففهم الرسول عليه الصلاة والسلام قصدها في أنها تريد الرجوع إلى زوجها السابق، ورد عليها بعبارة حملت بين ثناياها كل معاني الرومانسية التي ما وُفق إليها نزار في كل تلك الأشعار التي لا تغني و لاتسمن من جوع حيث قال لها: حتى تذوقي ‏ ‏عسيلته ‏ ‏ويذوق ‏ ‏عسيلتك، والمقصود بالعسيلة هنا لذة الجماع

وأذكر لكم أيضا هذه القصة التي تدل على المزاجية العالية التي كان يتمتع بها العرب في ذلك الوقت و فهم نسائهم لتلك المزاجية و التفاعل معها، كانت عائشة بنت طلحة من المتزوّجات فتزوّجها عُمر بن عبيد الله بن مَعمر التَّيميّ فبينما هي عنده تتحدَّث مع امرأةٍ من زوَّارها إذْ دخل عُمر فدعا بها فواقعها فسمعت المرأة من النَّخير والشَّهيق أمراً عجيباً فلمَّا خرجت قالت لها‏:‏ أنت في شرفك وقدْرك تفعلين مثل هذا‏!‏ قالت‏:‏ إنّ الددوابَّ لا تُجيد الشُّرب إلاَّ على الصَّفير

والقصص في هذا المعنى كثيرة، الشاهد أنني لا أعرف شيئا اسمه ثقافة جنسية فهذا شيئ يهتدي إليه الإنسان بالفطرة المطلقة والسليقة المحضة، و لكني أعرف شيئا اسمه قلة أدب، فأرجوا أن نسمي الأشياء بأسمائها وكفانا تلاعبا بالألفاظ
ولدي سؤال لحوح أبحث له عن إجابة ، بماذا يواقع الرجل أهله؟ أو ليس بعافيته؟ أو ليست العافية بيد الله؟ فإذا سلبني الله هذه العافية ماذا تُغني عني الثقافة الجنسية و أشعار نزار؟! أنا أقول أن سر اللذة الجنسية بيد الله سبحانه، فهو من رَكَّب بنا هذه الشهوة و هو أعلم بها و أخبر، و لو كانت الشهوة تحصل بالإباحية و الفجور و الفسق لما حَرّم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، حرمها لأنه غيور و ليس أحد أغير منه سبحانه، سر المتعة والقوة الجنسية يكمن في الاستغفار، يقول تعالى: ((وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ))، كان دعاء أحد السلف اللهم قوي ذكري على نكاح ما أحللت لي، و كما صح في الحديث أن الرجل يجامع أهله فيؤجر على هذا الجماع، تأمل يا عبد الله كرم الإله فأنت تأتي شهوتك والملائكة تكتب لك الحسنات، فأخبرني بالله عليك إن كان هناك أكرم من الله؟ فلماذا إذن نترك الكتاب والسنة وننساق وراء هؤلاء الذين لايملكون لنا نفعا ولاضرا؟ ‏أختي المسلمة كوني على ثقة و يقين أن أول من فهم أنوثتك ورعاها هو الإسلام، و في حديث الرسول صلى الله عليه و سلم أكبر دليل على ذلك، إذ قال موصيا بك الرجال: "رفقا بالقوارير" أي شبهك في رقتك ونعومتك بالقارورة المعرضة للكسر في أي لحظة إذا ما سيئت معاملتها، تماما كما نقول بالكويتي: ((يا دهينة لا تنكتين))، وبدلا من قراءة أشعار نزار ومن هم على شاكلة نزار فأنا أدعو كل امرأة متزوجة إلى أن تحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم و تُلزم زوجها بحفظه، يقول عليه الصلاة والسلام: لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان و جنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا




Friday, August 19, 2005

ذكاء امرأة

أكثر ما يعشق الرجل في المرأة جمالها، فتراه يهيم في محاسن وجهها و تضيع كلماته في وصف حُسن قدها و خرطها، وهو غير ملوم في ذلك إذ أن في وجه المرأة الجميلة ضروب من الحسن الغريب والتركيب العجيب

ولكن التجربة أثبتت لي أن في المرأة جانب هو أكثر سحرا و أشد جاذبية، ألا و هو العقل، فمن المعروف أن العقل عملة نادرة عند النساء، ومما يميز عقل المرأة عن عقل الرجل أنه إذا توافر فيها تجده قد مُزج بشيئ من المكر و شيب بقليل من الكيد، فتراها حادة الذكاء متوقدة الذهن، وإذا كانت المرأة كذلك صارت أهلا للمشورة،
ولا أكاد أجد في المرأة لذة كتلك التي تأتي بمشاورتها والأخذ برأيها، و أول ما تكون بوادر العقل في اللسان، فتراك تنتشي بطيب حديثها مع عذوبة ألفاظها و غزارة معانيها، ومن النساء من يُستملح سبابها و يُستلطف ردها إذا ما كدتها أو تواغدت عليها

ومما يروى أن بعد وفاة جميل دخلت بثينة على الخليفة عبد الملك بن مروان فقال لها: والله لا نجد فيك ما كان يقوله جميل، فردت عليه: لقد كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك

أتخيل كيف يمكن أن يكون رد امرأة من هذا العصر إذا ما طُعنت في جمالها مع طول لسانها و قلة عقلها؟

Thursday, August 18, 2005

التميز

كل إنسان مهما بدا خامل الذكر فإنه في قرارة نفسه يسعى إلى التميز، و إن خالف ذلك بلسان حاله أو مقاله، فهذه طبيعة بشرية لا يقوى أحد على دفعها وليس بالمقدور ردها، ولكن لأسباب قدرية أو ظروف قهرية نرى أناسا كثيرين تنازلوا عن حقهم في التميز، سواء كان هذا التميز على الصعيد العلمي إن كان طالبا أو الصعيد المهني إن كان موظفا أو على صعيد العلاقات الاجتماعية وما يدخل في معناها ويجري في مجراها، ولست هنا بصدد مناقشة أسباب هذا الفشل فبالنهاية كل مسخر لما خلق له، ولكني أحببت أن أطرق بابا للتميز يخفى على الكثيرين كنهه ومحجوب عن العامة مدخله، ألا وهو باب حسن الخلق

إنه باب مفتوح للمتميزين إن أرادوا أن يتمزوا شريطة أن يبذلوا الأسباب و يرغبوا بهذا الباب، و قد يقول قائل: ماذا رأى في حسن الخلق من تميز؟! أقول: إن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لم يأت بشيئ جديد، فالأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام كانوا يدعون إلى التوحيد، والتوحيد الذي كان عليه آدم عليه السلام هو نفس التوحيد الذي كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم، إذن ما هو الجديد في الدعوة المحمدية؟ الجواب عند صاحب الدعوة إذ يقول: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ولا يخفى على أهل اللغة أن هذا أسلوب حصر حيث استخدمت أداة الحصر إنما، ولاحظ أنه لم يقل لأتمم الأخلاق وإنما قال مكارم الأخلاق، أي ليخرج بهذه الأخلاق إلى نهايتها في الكمال ويبلغ بها غايتها من الجمال، فلا يُنكر أحد لأنبياء الله أخلاقهم وإلا لما اصطفاهم الله لدعوته وفضلهم على سائر خلقه، ولكن محمد صلى الله عليه وسلم تفوق عليهم في أخلاقه وبهذا مُيز عنهم وامتاز عليهم، والمواقف من حياته صلى الله عليه وسلم كثيرة، أذكر منها خروجه للطائف وما لاقى فيها، فهؤلاء سفهاؤها وصبيانها يرمونه بالحجارة إلى أن تدمى قدماه الكريمتان، فينزل عليه ملك الجبال ويقول: إن أردت أطبقت عليهم الأخشبين يعني الجبلين، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن دعا لهم بأن يخرج الله من أصلابهم من يعبده، بينما نبي الله نوح عليه السلام عندما ضج من قومه صاح من كمد وجده ((رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا))، فصدق الحق إذ قال: ((و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) ... ولذلك اختص الله نبي هذه الأمة بالشفاعة الكبرى يوم لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، فيوم القيامة تأتي الناس إلى الأنبياء فتسألها أن تشفع لها عند ربها، فلا يجرأ أحد منهم على ذلك، فلكل واحد منهم ذنبه الذي يستحي أن يلقى ربه به، أما آدم فبأكله من الشجرة التي نهاه الله عنها وموسى بقتله لنفس و ما أمر بقتلها وإبراهيم إذ أنه كذب ثلاث كذبات ونوح لسؤاله ربه بغير علم ... فلا يبقى إلا سيد الأنبياء وخاتمهم، فيدخل على رب العرش ويسجد ما شاء الله له أن يسجد، ثم يأذن له رب العزة أن يرفع رأسه قائلا له: سل يا محمد تعطه واشفع تُشفع .... أفرأيتم كيف جازى الله نبيه على تمام خلقه، أو ليس هو من قال به: ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) ... والأحاديث الواردة في حسن الخلق كثيرة، أذكر منها " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" وحديث " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" ويحضرني في هذا المقام قول أمير الشعراء: صلاح أمرك للأخلاق مرجعه ... فقوم النفس بالأخلاق تستقم

فليبدأ كل واحد مع نفسه صفحة جديدة عنوانها الفضيلة و ملؤها الأخلاق الكريمة، غير عابئ ولا آبه بما آلت إليه المجتمعات من تنكر للقيم وانحلال من المبادئ، فنبينا الكريم بُعث في مجتمع أقسى من هذا وظروف أصعب من التي نحياها اليوم، ومع ذلك فإنه غرس الأخلاق و أحياها في نفوس أهله و أصحابه، فكانوا من بعده مثالا يُحتذى و سراجا يُهتدى، يقول تعالى: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون

اعلم أخي الكريم أن لسان الحق فصيح ... وتذكر دائما المثل الشعبي الذي يقول: ما يصح إلا الصحيح
ووفقنا الله وإياكم إلا ما يحبه ويرضاه من القول والعمل

Sunday, August 14, 2005

كلمة أخيرة

في النفس لوعة و في القلب غلة أحرقت الكبد و أذابتها، ما حصل بالأمس في أحد المدونات ما هو إلا غيض من فيض، فنقاشات كهذه تدورعلى مدار الساعة و على جميع الأصعدة، على مستوى محطات إعلامية و صحف يومية و مجلات دورية و حتى دواوين و جلسات مقاهي شعبية، و الحمد لله الكل يدلو بدلوه، والكل فاهم وعارف، و ما أن يفتح النقاش إلا و ترى الكل شمر عن ساعديه وأخذ يتكلم ملئ شدقيه، وبدأ يحل حراما و يحرم حلالا، و يطعن بفلان و يقدح بعلان، والناس من حوله معجبين بصوته الجهوري و موقفه الرجولي، ولا عجب بذلك فالعامة دائما تبحث عن القائد أيا كان هذا القائد وإن كان سيقودها إلى حتفها وهلاكها، فهي تحب أن تساق سوق كالغنم في قطيع الراعي، يقول تعالى في محكم كتابه "يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" وصدق الشاعر إذ قال: الناس كأسراب طير ... يتبع بعضه بعضا

قال رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم سبعين خريفا" و لاحظ أنه قال: لا يلقي لها بالا أي بحسن نية، فما بالك إن كانت بسوء نية؟ نسأل الله أن يغفر لنا ما نقول، و مما صح عنه صلى الله عليه و سلم حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما قال له: أمسك عليك هذا (يعني لسانه)، فقال معاذ: أو مؤاخذون نحن بما نتكلم به يا رسول الله؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ و هل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟" والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، و لقد رأيتم التهديد الشديد و الوعيد الأكيد لآفات اللسان بشكل عام، فكيف هو الحال إذا تجرأ هذا اللسان واستطال في أعراض العلماء الذين هم سند هذه الأمة، وهم من قال فيهم نبينا الكريم"فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"، وهنالك نقطة أخرى كانت هي الطامة الكبرى، وجدت الكل يردد كلمة رجل دين! يا إخوان هذه الكلمة لا وجود لها في الإسلام، ليس عندنا ما نسميه برجل دين، رجل الدين موجود عند النصارى في الكنيسة، تذهب إليه شاكيا ذنوبك و خطاياك فيغفرها لك مقابل مبلغ من المال، أما عندنا فلا يغفر الخطايا إلا رب العباد، نحن لدينا رجل نذر نفسه لدراسة علوم هذا الدين تماما كمن نذر نفسه لدراسة الطب أو الهندسة وغيرها من العلوم، فعرف ربه ودينه، جاء في الحديث"من يُرد الله به خيرا يفقهه بالدين" فهؤلاء أناس حباهم الله بفضله وعرفهم بدينه، فنسألهم نحن و نستفتيهم فيما جهلناه من أمور ديننا، وكذلك العالم إذا مرض يذهب إلى الطبيب ليصرف له الدواء الشافي ولا يقول أذهب إلا عالم نفسي و أسأله أن يشفيني، فلكل منا في هذه الحياة دور يحسنه و عمل يتقنه

نعود ونقول أن هؤلاء العلماء غير معصومون و منهم من يسيء إلى هذا الدين، و لذلك كان هنالك علم قائم بحد ذاته معروف لدى العلماء يسمى "الجرح و التعديل"، ولكن السؤال هو من الذي يجرح بالعالم و يبين أخطاءه؟ ألا يجب أن يكون عالما مثله حتى يستطيع أن يناظره و يحاوره؟ أما مسألة أن يتصدر لهذا الأمر زيد و عبيد فهذه غوغائية بحته لا يقبلها من كانت لديه مسكة من عقل، و مما يفلق الكبد أن هذا الذي يطعن بالعالم لو سألته لا أقول عن معنى آية من كتاب الله و إنما معنى كلمة لوقف أمامك كالأبله الحيران معقود اللسان، لا يملك جواب و لا يحسن خطاب، وصاحبنا بالأمس خير مثال على هذا المقال إذ أنه خلط الحابل بالنابل، و قال في مقولة علي أنها من حديث النبي، ثم انتقل إلى إبن باز يقدح به بأشعار أشبه بموسيقى الجاز لا تعرف لها أول من آخر، و أصحاب المدونة صفقوا له و قالوا: قل ما شئت فأنت اليوم لدينا مُجاز، والأخت هداها الله و أصلحها تقول اليوم راح أهدي اللعب، أصبح التفكه في أعراض العلماء والخوض بآيات الله بغير علم لعب، يقول تعالى" وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ"

أخي المسلم إعلم أنك قد تلقى ربك بخمر و زنا و ربا فيغفر لك هذا كله و يدخلك فسيح جناته إذ أنه الغفور الرحيم، و لكن لن يغفر لك كلامك في الناس وأكلك لحومهم، فهذه يردها إلى أصحابها كي يأخذوا بحقوقهم، و أنا واحد من الناس لا أعتقد أني سأغفر لأمي إن ظفرت بها يوم القيامة، فما بالك بمن هو غريب عني وبعيد مني، واعلم أن لحوم العلماء مسمومة، فدع عنك الدين و رجاله واستبرئ لدينك و لعرضك، فوالله يوم الحشر لن تبالي بعالم ولا غيره فلكل امرئ شأن يغنيه

طبعا هذا لا يعني أن لا نفتح مواضيع و نناقشها أو ليس لهذا وضعت المدونات؟ و لكن ماذا ينقصها مواضيع مرينا مول و النيو لوك و الستايل و غيرها من مواضيع ؟ عالأقل أكبر ما يمكن أن يقال في حقها أنها لغو و اللغو يزول إثمه بالاستغفار أو بكفارة المجلس إنشاء الله، علاوة على أنها مواضيع لطيفة ومليحة

الشاهد يجب أن نتخير مواضيع تناسب قدراتنا و تتماشى مع عقولنا، أما أمور الدين فهي أسمى و أرقى من أن تطرح بهذه الطريقة و تناقش بهذا الأسلوب، أسأل الله أن يغفر لي ولكم و يوفقني و إياكم إلى ما يحبه و يرضاه

Saturday, August 13, 2005

موقف تاريخي

ما دفعني إلى كتابة هذا الموضوع هو البوست الأخير للأخت لوير حيث أنها أبدعت في اختيارها ووفقت في دلالتها على كتاب الدكتور طارق سويدان، وهذا إنما ينم عن مدى إيمانها بهذه القضية، والأهم من هذا و ذاك وعيها الذي بات مفقود أو شبه معدوم بين الناس و خاصة فئة الشباب

يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "هذا الأمر في قريش لا ينازعهم عليه أحد إلا أكبه الله على وجهه ما أقاموا الدين" صدق رسولنا الكريم إذ كان التاريخ خير شاهد على ذلك، فهذه الخلافة الراشدة 30 عام تتبعها دولة بني أمية قرابة 97 عام وتليها دولة بني العباس 600 عام أي ما ينيف عن 700 عام والحكم متداول في قريش أو العرب، ولكن سبحان الله الحديث جاء مشروط "ما أقاموا الدين" فعندما ابتعد العرب عن دينهم وانساقوا وراء الدنيا وزخرفها حول الله الخلافة إلى الترك، ومن كان يتوقع أن يحكم الترك العرب؟! ولكن عند الله لا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى، فالله يختار لهذا الدين من يقوم به و يُعلي كلمته، وبالفعل فالخلافة العثمانية كانت من أقوى الدول التي قامت على وجه الأرض، جاهدت بالله حق جهاده وحققت النصرة والعزة لهذا الدين، ولأواخر سلاطينها السلطان عبد الحميد الثاني مع اليهود موقف تاريخي لا ينسى، حيث أنه رفض توطين المهاجرين من اليهود في أرض فلسطين على الرغم من الرشوة الضخمة التي عرضها عليه رئيس الجمعية الصهيونية آنذاك ، والتي قُدرت بالملايين، وهذا هو نص رده على اليهود

لا أستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة، لأنها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي، وقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض ورووها بدمائهم، فليحتفظ اليهود بملايينهم، إذا مزقت دولتي من الممكن الحصول على فلسطين بدون مقابل. ولكن لابد أن يبدأ التمزيق أولاً في جثتنا، ولن أوافق على تشريح جثتي وأنا على قيد الحياة

طبعا وبسبب هذا الموقف الحازم من السلطان رحمه الله دُبرت مؤامرة لخلعه، الشاهد أعطوني حاكم عربي واحد اليوم وليس تركي كان له هذا الموقف تجاه فلسطين ؟! وكونوا على ثقة أن الله سبحانه لا ينتظر منا أن نبدي آراءنا في القضية الفلسطينية و نتعاطف معها أو لا نتعاطف، فهو يقول في محكم كتابه: " وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أمثالكم " ، فأنا أقول إن كنا عاجزين عن الدفاع عن حوزة هذا الدين، فعلى الأقل أن نحفظ ألسنتنا من أن تخوض فيما لا تعلم و تجادل بالله بغير علم و لا هدى ولا سراج منير

Monday, August 08, 2005

إن من البيان لسحرا

حديث إن من البيان لسحرا حديث مشهور و قلما تجد من لم يسمع به، أما قصة الحديث فلا أراها معروفة عند عامة الناس، ولذلك وجدت من النافع أن أذكرها لكم لما اشتملت عليه من فوائد

جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهيم وقيس بن عاصم

ففخر الزبرقان بنفسه قائلا: يا رسول الله أنا سيد بني تميم , والمطاع فيهم والمجاب، أمنعهم من الظلم وآخذ منهم بحقوقهم

ثم أشار إلى عمرو بن الأهيم وقال: وهذا يعلم ذلك

فما كان من عمرو بن الأهيم إلا أن زاد في مدحه فقال: إنه لشديد المعارضة , مانع لجانبه مطاع في إذنه

ولكن هذا المدح لم يره الزبرقان كافيا في حقه فقال: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال وما منعه أن يتكلم إلا الحسد

فلما سمع عمرو هذا الكلام من الزبرقان غضب و قال: أنا أحسدك ؟! أي أنه استنكر منه هذا الاتهام واستقبحه

ثم عاد فقال: والله يا رسول الله إنه لئيم الخال , حديث المال , أحمق الوالد مضيع في العشيرة

والواضح هنا أنه غير كلامه أي بعدما مدحه عاد فذمه، ولكنه تابع كلامه قائلا: والله يا رسول الله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الآخرة , ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت , وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت

فعندها قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحرا

فوائد الحديث
كثيرة هي المواقف التي نتكلم بها عن شخص ما فتجدنا لا نتطرق إلا إلى الجانب السلبي في شخصيته ، وإن عاب علينا أحد تعللنا بقولنا أن ما قلناه صحيح ونُشهد الله على ذلك، نعم قد يكون هذا الشخص مبتلى بما نُعت به، ولكن من باب الإنصاف أن نذكر الجانب الإيجابي أيضا و لا نغلب جانب على الآخر، أما مسألة أن نسلط الضوء على جانب واحد فقط ونأتي بأوصاف وإن كانت صحيحة فإنها لا تخلو من المبالغة فهذا بالتأكيد لا يرضي الله، ولقد رأيتم قوة الكلام وتأثيره لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفه بالسحر، حتى أن بعض أهل الحديث حملوا هذا الوصف على محمل الذم وذلك أن السحر من شأنه أن يظهر الأشياء على غير حقيقتها

الشاهد علينا أن نتقي الله بكل كلمة نقولها أو نكتبها، خصوصا إذا جاء الكلام عن الأعراض، ورب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان

ملاحظة: الزبرقان اسمه حصين وسمي بالزبرقان لحسنه، والزبرقان من أسماء القمر


Sunday, August 07, 2005

الأمانة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين محمد بن عبد الله و على آله و صحبه أجمعين

خلق الله الإنسان بيده الكريمة ونفخ فيه من روحه الطاهرة وكرمه بأن أسجد له ملائكته وشرفه حيث أنه في أرضه استخلفه وحمله أمانته، يقول تعالى في محكم كتابه ((إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)) فكان واجبا على العبد أن يعبد ربه حق العبادة ويطيعه تمام الطاعة، ولما كان المولى عز وجل عادلا بعباده رؤوفا بهم فإنه ما كان ليعذبهم قبل أن يبعث فيهم رسلا من أنفسهم يعرفونهم بخالقهم ويدلونهم على أسباب نجاتهم ومفازتهم. ولله وحده الحجة البالغة و الدلالة الدامغة، ولذلك أيد رسله بالمعجزات واختصهم بها دون سائر البشر، فسخر لسليمان الريح و جعل لموسى العصى و أحيى لعيسى الموتى. ولكن لو بحثنا حولنا اليوم لما وجدنا عصى موسى ولا سفينة نوح فكل تلك المعجزات زالت بزوال أصحابها ولم تبقى إلا معجزة واحدة، ألا وهي القرآن الكريم، وبهذا نرى أن الله تعالى مجده وتعاظم سلطانه عندما شاء أن يختم الرسالة ويتم الأمانة فإنه اختار الكلام ليكون معجزته الخالدة ورسالته الشاهدة إلى قيام الساعة. و هذا هو نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه يقول لأصحابه: "تركت لكم ما لو تمسكتم به لا تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنة نبيه" ولكن صدق الحق إذ قال: ((فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا)) وما ضيعت الشعائر وفرطت الفرائض وانتهكت المحارم إلا بعدما اشتغلت هذه الأمة عن القرآن، وأول هذا الضياع كان بضياع اللغة، يقول تعالى ((إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) فعندما فقدنا اللغة فقدنا حلاوة اللفظ و إعجاز المعنى، وليس للاستقامة على طريق الحق من سبيل إلا بالعودة إلى القرآن الكريم يقول سبحانه ((إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم))، والعودة إلى الكتاب تستلزم العودة إلى اللغة، وليس لطالب اللغة مدخل كمدخل الشعر والأدب، فترجمان القرآن إبن عباس رضي الله عنهما كان يقول: "إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإنه ديوان العرب" مع مراعاة أن لا يكون الشعر هو الغاية ولكن كما قال المتنبي: من قصد البحر استقل السواقيا


أحببت أن أفتتح مدونتي بهذه الكلمة البسيطة حتى يتسنى لي فيما بعد أن أدرج مختارات شعرية ومقتطفات نثرية لطالما أثرت فكري وزادت شوقي إلى أن أنهل من روائع وبدائع هذه اللغة الساحرة، وصدق رسولنا الكريم إذ قال: إن من البيان لسحرا