Wednesday, February 01, 2006

حرية التعبير

ارتفعت أصوات المطالبة بالحرية في أصقاع العالم منذ زمن، و بدأت تلك المطالبة في العزم على التحرر من قيود الحديد و السلاسل و طلب رغيف الخبز، و انطلقت الثورات واندلعت الحروب الطاحنة، إلى أن تحققت الغاية ونجح الغرب في رفع راية الحرية عاليا ،إلا أنه شيئا فشيئا أصيبت تلك المجتمعات بما يسمى بالترف الفكري، بعدما أغلقت السجون و المعتقلات و حصل الكل على لقمة العيش و ما يفوق لقمة العيش، فأخذت تلك الحرية تنال كل جوانب الحياة، و أصبح كل ما يمت إلى الانحلال و التفسخ و الانسلاخ من الدين و الأعراف حرية

إلا أننا لا يمكن أن نلوم تلك الشعوب على هذا الانقلاب العارم على الدين، لسببين أساسيين أوجزهما على النحو التالي: أولا أن الحقيقة تقضي أنه لم يكن هنالك دين من الأساس حتى يُطالب بتحييده و عزله، ما كان موجود هو دين محرف و منسوخ، السبب الثاني أن هذا الدين كان مُستغلا من قبل طبقة معينة من المجتمع اقتصرت على الملوك و رجال الكنيسة والذين بدورهم عملوا على سحق و استعباد السوقة باسم الدين الذي هو من صنع أيديهم

و أنا كإنسان يعيش على سطح هذا الكوكب يعي و يعرف ما يدور حوله، أحيي تلك الشعوب و أوهنئها على هذا الاختراع البشري الفريد من نوعه المسمى " علمانية " الذي استطاع أن يضع حدا حازما لكل الويلات التي تجرعتها تلك البشر على مر القرون الطويلة باسم الدين، وأعطاها الفرصة كي تولد من جديد و تلحق بركب الحضارة و التقدم القائم على العلم المتعلق بفهم الطبيعة و سبر أغوارها و كشف أسرارها، و تمكنت العلمانية من أن تنتقم لعالمها " جاليليو " مُخترع التيليسكوب و مُكتشف كروية الأرض، الذي أمرت الكنيسة بقتله لمجرد أنه تكلم بأمر يتعارض مع ما جاء في كتابها

إلا أن صدى هذه الأصوات كالعادة وصل متئخرا إلى مجموعة المخلوقات التي أنتمي إليها و أعيش بينها، فهاجت و ماجت وأخذت تطالب بالمطلب نفسه ،و ما يميز هذه الفصيلة أنها على اطلاع دائم بما يجري خارج نطاق حدودها و ثقافتها، و هي تحاول دائما أن تتبنى أي فكر أو دعوة تخرج من أي مكان في العالم، فهي لا تتبع دعوة بعينها، و إنما يلوح لها بريق شعار أو فكرة معينة جاءت كنتاج تاريخي أو تراكمي لفئة من الناس، فيلمع في قلبها سنا الشعار و يخطف أبصارها النجاح الذي حققه ذلك الشعار، بغض النظر عن الحاجة إليه أو التفكير بمدى تناسبه و تماشيه مع أصولها و أعرافها، لأنها مبتورة من الأصول و جذورها سابحة في الهواء، و هي تماما كالإناء الفارغ يستوعب أي شيئ يمكن أن يُسكب فيه، و يحضرني بها قول الشاعر

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبي فارغا فتمكنا

و الشواهد من التاريخ عديدة .... خذ على سبيل المثال بداية الوثنية في شبه الجزيرة العربية، كل ما في الأمر أن رجلا صالحا من قريش سافر مرة إلى الشام فمر بقوم على صنم لهم يعبدونه، فأعجبه المنظر فأخذ عينة و عاد بها إلى قومه، و نظرا لمصداقيته و صلاحه المعروف في قريش في تلك الفترة، لقى ذلك الصنم قبولا واسعا، و عُبدت من بعده الأصنام بجميع أشكالها و ألوانها

و لما كان المربي الفاضل و القائد الأعظم الرسول عليه الصلاة و السلام عارفا بنوعية هؤلاء البشر و حبهم الأعمى للتقليد و المحاكاة، كان عليه الصلاة و السلام أحزم ما يكون معهم في هذا الأمر حتى لا يعاودوا الدخول في نفق التبعية و الانقياد،و يحافظ عليهم كأمة مُؤثرة لا أمة مُتأثرة كما اعتادت أن تكون ودأبت أن تروم، و أذكر لكم هذا الحديث الذي أخرجه الترمذي من رواية واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثوا عهد بكفر، وكانوا أسلموا يوم فتح مكة، قال: فمررنا بشجرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، وكان للكفار سدرة يعكفون حولها، ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط، فلما قلنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: " الله أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنوا إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون، لتركبن سنن من كان قبلكم

و عودا على بدأ.... عودا على رأس الموضوع حرية التعبير.... في هذه الأيام العصيبة التي نحياها لم يعد بوسعنا أن ننكر منكرا أو نعرف معروفا بما يعدو القلب و الضمير، فلقد فشى الخبط و الخلط، و ضرب الجهل بأطنابه في هذا المجتمع، و لكن السؤال الذي لا يبرح أن يفارقني، و يبكيني و يضحكني كلما راودني، عندما يأتي الكلام عن حرية التعبير و القلم فلماذا لا ينطلق هذا القلم إلا بالقدح في الإسلام، و لا يلوك اللسان إلا الأعيان ممن حملوا و يحملون لواء هذا الدين؟! يعني إن كنا تبعنا الغرب حذو القذة بالقذة، وارتسمنا رسمه في أدق الأمور و أسخفها، فحرية التعبير عند الغرب لا تدع شخصية سياسية إلا و تتكلم عنها، حتى رئيس الجمهورية نفسه يطرح كمادة للسخرية و الاستهزاء، فهم يتكلمون عن الكل، و أقلامهم تنال الجميع، هل الإجابة التي يجب أن نرضخ لها و نقبل بها أنه لا يوجد لدينا لا حرية تعبير و لا هم يحزنون، و إنما الأمر لا يعدو أن الدين طوفة هبيطة والسلام ؟

7 Comments:

At 5:33 AM, Blogger meo said...

طويل البوست :)
اقراه لما اكون في كامل ويعي
توني كتب موضوعي و يهمني رأيك

 
At 1:25 AM, Blogger Eb9ara7a and his Wife said...

المشكلة هي الخلط بين المقدس الواجب احترامه كالآلهة مثلاً
و ذو السيادة و الفخامة .. كالرئيس أو جلالة الملكة

في الدانمارك عندما يسبون الأديان .. ننكر عليهم .. و عندما ننكر عليهم يتشدقون بحرية شتيمة و سب الملكية في بلادهم


أبدعت .. كالعادة

 
At 1:01 PM, Blogger meo said...

حريتك تنتهي عند ايذاء الاخرين

عندما لا تحدد الصلاحيات ترى التجاوزات

 
At 6:23 AM, Blogger الجاحظ said...

eb9ara7a

لا ضير أن يتشدق بحرية الرأي من يخالفنا في ديننا و عقيدتنا، و لكن المصيبة أن يتشدق بها أناس من أبناء جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا

meo

صدقت و كنت ذا رأي مصيب

 
At 1:01 PM, Blogger أبوعلي said...

مساكيين هم العلمانيين من بني جلدتنا صاروا علمانيين أكثر من مخترعي العلمانية ..هم كالغراب الذي حاول أن يقلد مشيت الحمامة فأضاع مشيته ومشيت الحمامة

 
At 3:32 PM, Blogger hema said...

مسابقات وجوائز - أخبار التعليم - الاسلام - اخبار مصر - أخبار منوعة - اخبار الفن والفنانين - المنتدى العام - أسئلة وأجوبة - يوتيوب :- YouTube كليبات أغانى عربية - كليبات أغانى اجنبية - فيديو اعلانات افلام - أخبار الرياضة المصرية- مصارعة حرة - " مشجعي النادى الاهلى - مشجعي نادى الزمالك - أفلام - أغانى - الحب والرومانسية - موضة وأزياء ومكياج وتجميل - منتدى الرشاقة والتخسيس - نكت مصرية - صور - صور طريفة ومضحكة

 
At 9:47 PM, Blogger franko said...

منتديات العابك الحصرى
منتديات العابك الحصرى
mygames منتديات
Mygames منتديات
منتديات قهوتنا
قهوتنا
دردشة نجوم المستقبل
شات نجوم المستقبل
منتديات عيت ارفاد التميمي
افلام الانمى
افلام هنديه
افلام عربى
افلام اجنبى
البومات الكاملة
قسم الصور
رياضة x رياضة
منوعات
اغاني سينجل
English Songs and Albums
كليبات
برامج الموبايلات
الثيمات و الخلفيات
العاب للموبايلات
الكليبات والنغمات
الرسائل والمسجات Mobile SMS
العاب اكشن
العاب استراتيجيه

 

Post a Comment

<< Home