Friday, May 19, 2006

شاهد على العصر

جاء في مقالة الكاتب عبد الله الهدلق التي نشرتها صحيفة الوطن الأسبوع الماضي أنه لم يُنقذ الاسلام و المسلمين من سطوة الدولة العثمانية و بطشها إلا مؤسس تركيا العظيمة مصطفى كمال أتاتورك رحمه الله

لا عجب أن نرى في دولة مثل الكويت من يُثني و يترحم على شخصية كشخصية مصطفى كمال أتاتورك ، لأنه و ببساطة شديدة أتاتورك شخصية تارخية قلما تجد في هذا البلد من عرضها و قرأها أو حتى مر بها و لو مرور الكرام ، و السبب في ذلك يكمن أنها تاريخية و ليس للتاريخ في صدور غالبية مُدعي الثقافة و المعرفة في هذا الوطن مكان ... فضلا عن عقول العامة و الُدهماء ، و لعل الكاتب مر بهذه الشخصية عبر مجلة أو موقع على الانترنت فلاح له ما ذُكر عنها في فضل استقلال تركيا و نيلها لسيادتها ، فوجد في تلك السطور القليلة استشهادا تاريخيا يزركش به موضوعه الذي كان عن قانون ارتداء النقاب أثناء قيادة السيارة ، و هو على ثقة أنه لن ينبر له من يناقشه أو يحاججه في هذا الاستشهاد لأنه على ثقة عمياء من عماء بصيرة قُرائه

شخصية مصطفى كمال أتاتورك أكبر من أن يُتخذ منها إسقاطا عابرا على موضوع كموضوع النقاب ، لأن هذه الشخصية هي الخنجر المسموم الذي طُعنت به الأمة العربية قبل الأمة الاسلامية في مقتلها ، و هي الأداة التي استخدمها الغرب لتحقيق أغراضه و أطماعه بعدما ضاقت به الوسائل و تعذرت عليه السبل، و ما يُميز هذه الشخصية حقا أنها أعدت إعدادا مُحكما كان من شأنه لا أن يخدع جماهير العامة فقط ، بل تعدى إلى عقول الخاصة من أدباء و شعراء و مثقفين و على رأسهم أمير الشعراء في ذلك الوقت أحمد شوقي رحمه الله ، الذي نظم أبياتا مدح بها مصطفى كمال في فترة كانت الأمة بأسرها تنام تحت غطاء الانتصارات و الاصلاحات الزائفة التي نسجها الانجليز حول هذه الشخصية المصطنعة ، فمن فرحة أمير الشعراء بما حققه هذا البطل الوهمي نراه تارة يصفه بخالد الأمة نسبة إلى الصحابي الجليل خالد بن الوليد ، إذ يقول

الله أكبر ، كم في الفتحِ من عَجبِ ..... يا خالدَ التُركِ جَدد خالدَ العَربِ

و تارة أخرى يشبهه بصلاح الدين قائلا
حَذَوتَ حَربَ الصَلاحيين في زَمن ...... فيه القِتالُ بلا شَرعٍ ، و لا أدبِ

و لكن سرعان ما تبددت الأحلام و تبعثرت الأوهام التي حملتها قلوب تلك الأمة البريئة الطامعة في الاصلاح السياسي الذي وُلد على يدي كمال أتاتورك ، غافلين عن الحقيقة القاسية التي كانت تنضوي تحت تلك الأحداث و المسلسلات المُفتعلة، فما هي إلى فترة وجيزة حتى استيقظت الأمة الاسلامية في مشارق الأرض و مغاربها على نبأ سقوط الخلافة الاسلامية على يد البطل نفسه الذي كان يُفترض به أنه يقود مسيرة الكفاح و النضال تحت مظلمة الخلافة الاسلامية التي نشأ و ترعرع المسلمون في كنفها منذ وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام ، إلى إعلان مصطفى كمال أتاتورك تركيا دولة علمانية ، و إلغاء الخلافة الاسلامية عام 1923 إلغاء رسميا ، و بموجب هذا الانفصال تم تقسيم الوطن العربي و تقديمه كقربان شكر إلى المستعمر الذي لم يتركه إلا بعدما خلق على كل شبر من أراضيه مشكلة ما زال حلها مستعصيا إلى هذه الساعة ، و ها هو شاعرنا الذي مدح مصطفى أتاتورك نراه قد عاد يهجوه بعدما تجرع مرارة الخديعة ، راثيا نفسه و الأمة الاسلامية بالخلافة التي توارت و إلى أجل غير مُسمى عن أنظار و قلوب أبنائها الذين اعتادوا عليها

عادت أغاني العُرس رَجعَ نُواحِ ..... و نُعيتِ بين معالم الأفراحِ
ضَجت عليك مآذنُ و مَنابِرُ ..... وَ بَكَت عَليكِ مَمالِكٌ وَ نَواحِ
الهِندُ والُهَةٌ ، و مِصرُ حَزينَةٌ ..... تَبكي عليكِ بِمَدمَعٍ سَحاحِ
و الشامُ تَسألُ و العراقُ و فارِسٌ .... أمَحا من الأرضِ الخلافةَ ماح ؟

فهذا هو أمير الشعراء المُخملي المُنعم لم يشأ أن يستمر في ضلال الأكاذيب و الخزعبلات التي انطلت عليه في بادئ الأمر ، بل عاد ليُشهر قلمه و ينظم شعره في هذه المؤامرة التي قصمت ظهر الأمة ، حتى تكون أبياته شاهدا على ذلك العصر ، و تكون قصيدته هذه موطئ قدم لقراء التاريخ و طُلاب الحقيقة ... يقول

أستغفر الأخلاق لست بجاحد ..... من كنت أدفع دونه و ألاحي
مالي أطوقه الملام و طالما ..... قلدته المأثور من أمداحي
أأقول من أحيا الجماعة مُلحدٌ ..... وأقول من رد الحقوق إباحي ؟
فامدح على الحق الرجال و لُمهُمو ...... أو خَل عنك مواقف النُصاحِ

في حين أن عبد الله الهدلق الكويتي منذ عام 1923 إلى عام 2006 بعدما عشعشت المؤامرة و باضت و فرخت و ضاقت بها الكتب ذرعا ، و مَحصتها الأقلام دراسةً و تحليلاً، نراه يطلب الرحمة لهذه الشخصية التي أكل عليها الدهر و شرب و غدت للغرب نسيا منسيا

فعلا قد يكون الغرب نسيها و طوى سجلها بعدما آتت أكلها و قُطِفَت ثمارُها ، و لكنه لا يمكن أن ينسى بأي حال من الأحوال سذاجة و بلاهة هذه الأمة التي سوف يوافيها بألف شخصية كشخصية مصطفى كمال أتاتورك

و ها هو أحمد شوقي يؤكد ما آلت إليه الأمة

فلتسمعُن بكل أرض داعيا ..... يدعو إلى الكذاب أو لسَجاحِ
ولتشهُدن بكل أرض فتنة..... فيها يباع الدين بيع سَماحِ