الألفاظ و المعاني
موضوع الألفاظ و المعاني في نظري موضوع في غاية الأهمية.... يستمد هذا الموضوع أهميته من أسباب عدة، أولها قيمة اللغة و تأثير الكلمة في مسامع الناس، و هناك شواهد عديدة في هذا العالم سابقا و لاحقا تبين و تدلل على أن كثير من قواد الثورات و من مأسسي الحضارات لم يقودوا الناس بالسلاح و إنما قادوهم بالكلمة، السبب الثاني يتمثل في البعد الذي نشأ بين الناس و اللغة في ظل الحياة المادية التي نحياها اليوم، السبب الثالث و الأخير هو استغلال فئة قليلة من الناس جهل الغالبية العظمى بهذه اللغة و بعدهم عنها، فاتخذت هذه الشرذمة القليلة من عقول تلك العامة الغفيرة متسعا يسرحون و يمرحون به كيفما شاؤوا و أنما أحبوا و استطابوا، دون حسيب أو رقيب، دون عاقل يقف على ما يقولون، أو عارف يتصدى لما يكتبون، فكانت النتيجة أن ماجت الأفكار وضُيعت العقائد و نُسفت القواعد واختلط الحابل بالنابل، و أصحبت الألفاظ بمفردها هي المطلب الوحيد الذي يحتاجه أي كاتب أو أي صاحب دعوة حتى يفتح القلوب و يقتحم العقول، دون الحاجة إلى معنى يقف وراء تلك الألفاظ أو ضابط يضبطها
أولا و قبل كل شيئ أود أن أبين الفرق بين الفصاحة و البلاغة.... باختصار شديد، الفصاحة تقتصر على اللفظ، في حين أن البلاغة تختص بالمعنى، يقول الجاحظ في كتابه الشهير البيان و التبيين: أن الكلام لا يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه، و لفظه معناه، فلا يكون لفظه إلى سمعك أقرب من معناه إلى قلبك، و لاخير في كلام لا يشير إلى مغزاك و لا يدل على معناك
و بما أن العامة اليوم ليس لها قلوب تعقل بها، فوجد من يتسمون بالكتاب في ذلك فسحة مكنتهم من أن يسلوكوا طريق السمع فقط، و هي طريق سهلة معبدة إذا ما قرنت بطريق القلب التي تستلزم من سالكها ثقافة غزيرة و أفكار عميقة مرتبطة بأصول ذات امتداد تاريخي وطابع علمي و أكاديمي، فأصبح كل من هب و دب ممن حفظ كلمتين و تعشى على كتابين أن يجعل من نفسه صاحب دعوة و فكر، و لا عجب أن يلقى القبول و الإقبال من الناس التي فقدت حسها اللغوي و بترت منذ زمن من تراثها و مخزونها الديني و الأدبي، ذلك الدين الذي يقدم نفسه بالدرجة الأولى كفكر إنساني راقي لا مجموعة عبادات وواجبات كما يظن الكثيرون، العبادات في الدين الإسلامي من شأنها أن تنجي العبد من عذاب أليم يوم العرض على الله سبحانه و تعالى، و لكن الفكر الذي صاحب دعوة محمد صلى الله عليه و سلم من شأنه أن ينهض بالأمة بأسرها و يرتقي بها إلى أعلى درجات السمو و العلو الذي يحقق لها مفهوم الخلافة في الحياة الدنيا و قيادة الأمم الأخرى على اختلاف عقائدها و أديانها
هذا لا ينتقص من أهمية اللفظ أو المفردة في إيصال المعنى، فالكلمة الصحيحة الفصيحة ذات الوقع الرنان، هي التي تعمل كجناحي طير يرفرف عبرهما المعنى إلى القلوب، و نجد المثل في القرآن الكريم واضحا جليا، إذ نرى كثيرا من الأيات و خصوصا تلك الآيات التي تهتم بوصف الجنة و النار أو اليوم الآخر، نراها اشتملت على ألفاظ حولت النص إلى صورة حقيقية نابضة بالحس و ناطقة بالحركة
ولكن تأملوا معي هذه الكلمات لعمدة الأدب الجاحظ عندما يقول: أن لحفظ الألفاظ وجهين وجه نافع و وجه ضار، الوجه الضار هو أن يتحفظ ألفاظا بعينها من لفظ رجل بعينه أو من كتاب، ثم يريد أن يجعل لتلك الألفاظ قسمها من المعاني، فهذا لا يكون إلا مستكرها لألفاظه متكلفا لمعانيه، و إذا مر كلامه بنقاد الألفاظ و جهابذة المعاني استخفوا عقله و بهرجوا علمه، في حين أن الوجه النافع هو أن تختمر تلك الألفاظ في صدره و تدور في مسامعه، فإن طال مُكثها تلاقحت و تناكحت، فكانت نتيجتها أكرم نتيجة، و ثمرتها أطيب ثمرة، لأنها حينئذ تخرج غير دالة على فقر، و بين الشيئ إذا عشعش في الصدر ثم باض ثم فرخ ثم نهض، و بين أن يكون الخاطر مختارا و اللفظ اعتسافا فرق بين
ولكن نعود و نقول أنه اليوم لا يوجد نقاد ألفاظ و جهابذة معاني حتى يبهرجوا ما تكتبه أقلام تلك الكتبة العقيمة، و لا أناس على قدر من الثقافة و الوعي حتى يستخفوا عقولهم، و إنما أصبح مثل الكتاب و الناس كمثل فرعون و قومه عندما قال الله فيهم: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ، أي أن فرعون لم يستعبد تلك الجموع الغفيرة بقوته و جبروته و إنما قادهم و طوعهم بجهلهم و خفة عقولهم، و كما يقول القائل: الذكاء هو أن تجد نفسك بين أكوام الغباء، فطوبى لئلائك الكتاب الذين أقل ما يمكن أن يقال بحقهم على دناءتهم وانحطاطهم إلا أنهم عرفوا غباء الناس واستدلوا على جهلهم، فاتخذوا منهم و سيلة يعتاشون بها و مطية يحصدون الشهرة من ورائها
أولا و قبل كل شيئ أود أن أبين الفرق بين الفصاحة و البلاغة.... باختصار شديد، الفصاحة تقتصر على اللفظ، في حين أن البلاغة تختص بالمعنى، يقول الجاحظ في كتابه الشهير البيان و التبيين: أن الكلام لا يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه، و لفظه معناه، فلا يكون لفظه إلى سمعك أقرب من معناه إلى قلبك، و لاخير في كلام لا يشير إلى مغزاك و لا يدل على معناك
و بما أن العامة اليوم ليس لها قلوب تعقل بها، فوجد من يتسمون بالكتاب في ذلك فسحة مكنتهم من أن يسلوكوا طريق السمع فقط، و هي طريق سهلة معبدة إذا ما قرنت بطريق القلب التي تستلزم من سالكها ثقافة غزيرة و أفكار عميقة مرتبطة بأصول ذات امتداد تاريخي وطابع علمي و أكاديمي، فأصبح كل من هب و دب ممن حفظ كلمتين و تعشى على كتابين أن يجعل من نفسه صاحب دعوة و فكر، و لا عجب أن يلقى القبول و الإقبال من الناس التي فقدت حسها اللغوي و بترت منذ زمن من تراثها و مخزونها الديني و الأدبي، ذلك الدين الذي يقدم نفسه بالدرجة الأولى كفكر إنساني راقي لا مجموعة عبادات وواجبات كما يظن الكثيرون، العبادات في الدين الإسلامي من شأنها أن تنجي العبد من عذاب أليم يوم العرض على الله سبحانه و تعالى، و لكن الفكر الذي صاحب دعوة محمد صلى الله عليه و سلم من شأنه أن ينهض بالأمة بأسرها و يرتقي بها إلى أعلى درجات السمو و العلو الذي يحقق لها مفهوم الخلافة في الحياة الدنيا و قيادة الأمم الأخرى على اختلاف عقائدها و أديانها
هذا لا ينتقص من أهمية اللفظ أو المفردة في إيصال المعنى، فالكلمة الصحيحة الفصيحة ذات الوقع الرنان، هي التي تعمل كجناحي طير يرفرف عبرهما المعنى إلى القلوب، و نجد المثل في القرآن الكريم واضحا جليا، إذ نرى كثيرا من الأيات و خصوصا تلك الآيات التي تهتم بوصف الجنة و النار أو اليوم الآخر، نراها اشتملت على ألفاظ حولت النص إلى صورة حقيقية نابضة بالحس و ناطقة بالحركة
ولكن تأملوا معي هذه الكلمات لعمدة الأدب الجاحظ عندما يقول: أن لحفظ الألفاظ وجهين وجه نافع و وجه ضار، الوجه الضار هو أن يتحفظ ألفاظا بعينها من لفظ رجل بعينه أو من كتاب، ثم يريد أن يجعل لتلك الألفاظ قسمها من المعاني، فهذا لا يكون إلا مستكرها لألفاظه متكلفا لمعانيه، و إذا مر كلامه بنقاد الألفاظ و جهابذة المعاني استخفوا عقله و بهرجوا علمه، في حين أن الوجه النافع هو أن تختمر تلك الألفاظ في صدره و تدور في مسامعه، فإن طال مُكثها تلاقحت و تناكحت، فكانت نتيجتها أكرم نتيجة، و ثمرتها أطيب ثمرة، لأنها حينئذ تخرج غير دالة على فقر، و بين الشيئ إذا عشعش في الصدر ثم باض ثم فرخ ثم نهض، و بين أن يكون الخاطر مختارا و اللفظ اعتسافا فرق بين
ولكن نعود و نقول أنه اليوم لا يوجد نقاد ألفاظ و جهابذة معاني حتى يبهرجوا ما تكتبه أقلام تلك الكتبة العقيمة، و لا أناس على قدر من الثقافة و الوعي حتى يستخفوا عقولهم، و إنما أصبح مثل الكتاب و الناس كمثل فرعون و قومه عندما قال الله فيهم: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ، أي أن فرعون لم يستعبد تلك الجموع الغفيرة بقوته و جبروته و إنما قادهم و طوعهم بجهلهم و خفة عقولهم، و كما يقول القائل: الذكاء هو أن تجد نفسك بين أكوام الغباء، فطوبى لئلائك الكتاب الذين أقل ما يمكن أن يقال بحقهم على دناءتهم وانحطاطهم إلا أنهم عرفوا غباء الناس واستدلوا على جهلهم، فاتخذوا منهم و سيلة يعتاشون بها و مطية يحصدون الشهرة من ورائها